ادعمنا

الشمولية المعكوسة - Inverted Totalitarianism

لقد شهد القرن العشرون والواحد والعشرون تحولًا كبيرًا في النظم السياسية حيث ظهر إلى حيز الوجود نظامان سياسيان لا مثيل لهما في التاريخ السياسي وهما: النظام الشمولي والنظام الشمولي المعكوس، وإذا تتبعنا التطورات السياسية ندرك منذ الوهلة الأولى ظهور العديد من المفاهيم والمصطلحات مثل: القوى العظمى والإرهاب والحرب الوقائية وغيرها من المفاهيم التي ترن في آذاننا يومياً مؤذنة بضرورة فحصها فحصاً نقدياً من أجل الوصول لمعرفة دقيقة ومتجددة لمثل هذه المفاهيم والنظريات التي انشقت عنها، على سبيل المثال نظرية الشمولية المعكوسة والتي انشقت عن نظرية الشمولية التي تصف الأنظمة الشمولية كالنظام النازي والفاشي والستاليني، وتوابعهما من الأنظمة الديكتاتورية التي قامت على القومية والاشتراكية.

ولعل من مفارقات التاريخ المعاصر، أنه في الوقت الذي كان يفترض فيه تزايد الحرية وانتشار الديمقراطية بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، وتنامي النظام الليبرالي في العديد من الأقطار، أن تظهر أشكال جديدة من الشمولية سواء في صورة حركة سياسية أو عقائدية، أو في صورة نظام دولي عالمي يعتمد على القوة والهيمنة .

في هذا الصدد يرى شيلدون ولين Sheldon Wolin المنظر السياسي الأمريكي أن النظام السياسي الأمريكي وقع في إطار الأنظمة الشمولية، وإن كان هذا النظام لم يتمتع صراحةً بسمات النظام الشمولي، إلا أنه ينتهي إلى مثل ما انتهت إليه الأنظمة الشمولية من عنف وإرهاب وتفتيت للجمهور. فماذا يقصد ولين بالنظام الشمولي المعكوس؟ وما الظروف السياسية التي ظهر في ظلها؟ وما أوجه التشابه والأختلاف بينه وبين النظام الشمولي الكلاسيكي؟، وما الديمقراطية المُدارة التي اعتبرها ولين أساس للنظام الشمولي المعكوس، وما ديناميكيات هذا النظام؟ 

 

مفهوم الشمولية المعكوسة:

لكي نتمكن من فهم معنى الشمولية المعكوسة Inverted Totalitarianism لابد أن نشير أولاً إلى المعنى اللغوي لكلمة شمولية، إن مصطلح الشمولية Totalitarianism مشتق من الكلمة اللاتينية Totlitas وتعني الكل أو الامتلاء، أما في اللغة الإنجليزية Totalitarisme فتعني الإحاطة، والشمول، والاحتواء، وكلمة Invert تعني قلب أو عكس شيء ما، ويقول ولين "إن تعريف الانعكاس هو مثيل شيء انقلب رأساً على عقب" .

لقد وصف ولين النظام الأمريكي الناشىء بالنظام "الشمولي المعكوس"، لأنه نظام شمولي ولكن يحقق ذلك بأساليب معكوسة. يقول ولين "أعني بكلمة معكوس أنه في حين أن النظام الشمولي المعكوس يتشارك مع النازية في التطلع نحو سلطة غير محدودة وتوسعية عدوانية فإن أساليبه وأفعاله تبدو مقلوبة رأساً على عقب".

 

التطور التاريخي لمفهوم الشمولية المعكوسة:

إن مصطلح الشمولية من بنات أفكار المفكر الإيطالي الفاشي جيوفاني جنتيلي Giovanni Gentile في مستهل عشرينات القرن الماضي قبل الحرب العالمية الثانية، ولم يستدع هذا المفهوم اهتماماً نظرياً كبيراً بما يمثله من نمط جديد في الفلسفة والنظام السياسي، ولكن بعد الحرب أعاد صياغته طائفة من المفكرين الأوروبيين اليساريين والليبراليين المناوئين للنموذج الشمولي، ومن أبرزهم حنا أرندت Hannah Arendt، كارل فريدريك Carl Friedrich، وليونارد شابيرو Leonard Schapiro .

إن الدولة الشمولية تتميز بقدرتها على التدخل في المجال الاجتماعي بحجم ووتيرة غير مسبوقين وذلك بواسطة تقنيات التدبير الإداري، وعن طريق وسائل الاتصال ومراقبة الرأي العام ...إلخ، ولا يتوقف تدخلها على المجال الاجتماعي فحسب بل تتدخل في الحياة الثقافية والاقتصادية برمتها بحيث تصبح للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية دلالة مقترنة بالدولة، ويصعب التمييز بين دائرتي المجتمع والدولة.

وقد قامت أرندت باستقصاء لأصول النظام الشمولي، والتمست ذلك عبر تحليل التاريخ العام للتصنيع الأوروبي أو العالمي بالتضافر مع التواريخ القومية المحددة للألمان والسلافيين Slavs، ودرست العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي نشأت عنها الحركات والأنظمة الشمولية، وتطورها عبر الزمان والمكان. فجاء كتابها الذي يحمل عنوان "أسس التوتاليتارية" The Origins of Totalitarianism ليقدم مفهومً عن الشمولية يستند إلى النظرية التي تتناول مجتمعاً جماهيرياً دُمَّرَت فيه الروابط التقليدية والتنظيمات والولاءات الوسيطة من جراء ويلات الحرب، وفي تلك الظروف افترضت أرندت أن الفرد المنعزل يكون عرضة لتعبئته نحو ولاء جديد، فتتكون رابطة ولاء وإذعان كاملين لقائد كاريزمي -مثل هتلر- يتمكن من خلال التلاعب بالجماهير من تكوين منظومة للسيطرة المركزية، تحكم معارضيها وتخضعهم باستخدام إرهاب الدولة على نطاق واسع.

أما كارل فريدريك فقد وضع في كتابه "طبيعة الشمولية" The Nature of Totalitarianism عدة سمات لجوهر النموذج الشمولي، والتي تتشارك فيها المجتمعات الشمولية وهي

١- الاعتماد على أيديولوجية تنبئية، تحتكم إلى شكل من أشكال فلسفة التاريخ.

٢- الاعتماد على الحزب الجماهيري الواحد.

٣- احتكار وسائل الإعلام .

٤- الرقابة البوليسية العنيفة.

٥- احتكار تكنولوجي شبه كامل للسيطرة على وسائل العنف المسلح كافة.

٦- سيطرة وإدارة مركزية للاقتصاد

تتمثل نقطة الاختلاف الأساسية بين فريدريك من ناحية وأرندت من ناحية أخرى، في أن الأخيرة لا ترى أن الأيديولوجية الشمولية الجامحة هي مكون جوهري في نظام الحكم الشمولي، وتشدد أكثر على دور الإرهاب المطلق، كأداة من أدوات النظام الشمولي()

أما شابيرو فقد توج سنوات من التنظير بكتابه الشمولية Totalitarianism الذي قارن فيه بين الاتحاد السوفيتي وألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية. واكد أنه على الرغم من تنوع هذه الأنظمة من نواحٍ عديدة، إلا أنها تحتوي على سمات مشتركة ومحددة كافية لتمييزها عن الأنظمة الاستبدادية التقليدية. ومن بين هذه السمات شدد شابيرو على تبعية النظام القانوني للنظام السياسي، أي الفشل المتكرر للجهاز القانوني في الالتزام حتى بتلك القيود التي تم الإعلان عنها في التشريعات، والتسهيلات التي تم في ظلها إساءة استخدام القانون أو التحايل عليه من أجل تنفيذ سياسات تنتهك حقوق الإنسان.

لقد ظهر مصطلح الشمولية لتصوير البناء الاجتماعي/ السياسي الذي تكون فيه حدود سلطات الحزب والدولة غير واضحة؛ ولفهم العلاقة بين المجتمع والدولة أو الحزب في ألمانيا وإيطاليا؛ ولتحليل مجمل العمليات السياسية المعنية

ووفقاً للفلاسفة الكلاسيكيين كان الاستبداد التهديد الوحيد الحقيقي للديمقراطية متمثلا في حكم الطاغية الفردي أو حكم الأقلية (الأوليجاركية)، وحالة التمرد الدائم والشامل داخل المجتمع والتي استخدمها القادة عديمي الضمير متلاعبين بالجمهور من أجل تطوير خططتهم المناهضة للديمقراطية. أما الديمقراطية الحديثة فتترقب عدوًا مختلفًا تماماً، يتمثل في الخضوع بدلًا من التمرد، بالإضافة إلى دمج الدولة في المجتمع. والمصطلحات القديمة مثل الدكتاتورية أو حكم الأقلية لم تعد ذات تأثير اليوم، لذلك هناك حاجة إلى مصطلح جديد لوصف هذه الظاهرة الحديثة بالكامل من تفكك وفساد الديمقراطية، وكان اسم ولين لهذا النظام الجديد هو "الشمولية المعكوسة"، ويقصد بهذا المصطلح الإشارة إلى النظام السياسي الأمريكي الذي تندمج فيه أشكال من السلطة كانت تعمل بشكل منفصل في بداية الحداثة الليبرالية، مثل الدين والاقتصاد والسلطة السياسية. في الشمولية المعكوسة يميل "الخاص" و "العام" إلى أن يصبحا شيئًا واحدًا بدخولهما في علاقة يفقدان فيها تميزهما الفردي، ويتحدان مكونان شكلًا جديدًا تندمج فيه كل تلك الأشكال التي كانت منفصلة سابقًا. وقد اعتبر ولين هذا النوع من الاندماج بين السلطات يُسمم الديمقراطية من جذورها.

قدم شيلدون ولين مصطلح "الشمولية المعكوسة" أولًا في برنامج إذاعي في شمال كاليفورنيا، ثم قام بصياغته لاحقًا في مقالة نشرها عام ٢٠٠٣ في مجلتي News- week و The Nation، وأكتمل المصطلح وابعاده بنشر ولين كتاب "الديمقراطية المُدمجة: الديمقراطية المُدارة وشبح الشمولية المعكوسة" Democracy Incorporated: Managed Democracy and the Specter of Inverted Totalitarianism.

ما يميز الشمولية المعكوسة عن الأنظمة الشمولية الكلاسيكية -مثل الفاشية النازية أو الشيوعية السوفيتية- أن الاقتصاد في تلك الأنظمة كان خاضعًا للسياسة. لكن "في ظل الشمولية المعكوسة العكس هو الصحيح". يقول ولين "يهيمن الاقتصاد على السياسة، ومع هذه الهيمنة تأتي أشكال مختلفة من القسوة". ويتابع قائلًا "أصبحت الولايات المتحدة نموذج يعرض كيف تُدار الديمقراطية دون أن تبدو وكأنها تتعرض للقمع" .

إن الشمولية المعكوسة -كما يرى ولين- تعمل بشكل مختلف تماماً عن الأنظمة الشمولية الكلاسيكية، حيث إن أهدافها على النقيض تماماً من أهداف الشمولية. على سبيل المثال تعلن الشمولية المعكوسة بصوت مدوي تأكيدها على قضية الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، ويقول ولين "على عكس الأنظمة الشمولية الاستبدادية الكلاسيكية، التي تفاخر بطابعها الشمولي، الشمولية المعكوسة تنكر هويتها، وتدعي أنها نظام ديمقراطي مثالي". فهي نظام مدفوع بسلطات شمولية مجردة، ينجح في تشجيع فك الارتباط السياسي بدلاً من التعبئة الجماهيرية؛ ويعتمد في ذلك على وسائل الإعلام "الخاصة" أكثر من اعتماده على الوكالات العامة لنشر الدعاية التي تعزز الرواية الرسمية للأحداث.

وإن كان ولين أول من شرح تحول الديمقراطية الأمريكية إلى نوع جديد من الشمولية، فقد تم تحليل الشمولية المعكوسة من قبل منظرين وفلاسفة أخرين في السنوات التي تلت طرح ولين لها. ومن أبرز هؤلاء المنظرين ويندي براون Wendy Brown -أستاذة العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا بيركلي وأحد تلاميذ ولين في جامعة برينستون- والتي يستند تحليلها للشمولية المعكوسة بصعود الليبرالية الجديدة وتيار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة المعاصرة. وسردها لما ترتب على ذلك من دحض للديمقراطية، وتقليل من قيمة الحريات السياسية، والمساواة، والمواطنة الحقيقية، وسيادة القانون لصالح الحكومة والتي تعمل وفقًا لمعايير السوق من ناحية؛ وتسليع سلطة الدولة لغايات تم وضعها مسبقًا من ناحية أخرى؛ وتقويض كلًا من ثقافة ومؤسسات الديمقراطية الدستورية.

أما كريس هيدجز Chris Hedges -الصحفي والمؤلف والمحاور الذي استضاف ولين في العديد من البرامج- فقد كتب عن الشمولية المعكوسة في العديد من مقالاته وكتبه، أهمها "موت الطبقة الليبرالية" Death of the Liberal Class والذي ارجع فيه صعود وتنامي الشمولية المعكوسة إلى موت الطبقة الليبرالية وبالتالي عدم وجود رقابة على قطاع الشركات المُصمم لإثراء نخبة صغيرة ونهب الأمة.  

كما كتب هنري أ. جيرو Henry A. Giroux -ناقد ثقافي وأستاذ اللغة الإنجليزية والدراسات الثقافية- أيضًا عن الشمولية المعكوسة وعلاقتها بالليبرالية الجديدة وتآكل الديمقراطية في الولايات المتحدة وتفكيك دولة الرفاهية وتقليص الإنفاق الاجتماعي وجميع اشكال التضامن، ودورها في تعزيز الفردانية Individualism والتي لا تؤمن بالمسؤولية الاجتماعية والقيم العامة والصالح العام. وأكد جيرو على دور التعليم العالي في تثقيف وتحريك الشباب من أجل معالجة مُثل الديمقراطية ومستقبلها.  

 

الظروف السياسية لظهور نظرية الشمولية المعكوسة:

عقب انهيار الاتحاد السوفييتي قال فرانسيس فوكوياما - Francis Fukuyama صاحب كتاب (نهاية التاريخ) معبراً عن نشوته بهذا الانتصار: "أمريكا هي زعيمة العالم، نحن الأقوى والأعظم". بهذا القول يجسّد فوكوياما ما قاله قبله الشاعر الأمريكي وولت وايتمان - Walt Whitman منذ أكثر من قرن: "أمريكا أعظم القصائد، وهي ليست أمة وحسب، بل هي أمة الأمم، إنها إمبراطورية فوق الجميع". وسرعان ما راحت مصطلحات الإمبراطورية والقوة العظمى تنتشر بعد غزو العراق لتصبح أكثر شعبية في المجتمع الأمريكي.

يرى ولين في مقالته الشمولية المعكوسة "كيف يتسبب نظام بوش في التحول إلى دولة شبيهة بالفاشية" – Inverted Totalitarianism (How the Bush regime is effecting the transformation to a fascist-like state) أن الحرب على العراق احتكرت الاهتمام العام مما حجب تغيير النظام السياسي في أمريكا. ويستطرد قائلًا "ربما الحرب على العراق كانت لجلب الديمقراطية وإسقاط نظام شمولي، ولكن خلال هذه العملية نظامنا تحرك مقترباً من النظام الأخير مما أضعف الأول". وقد عُرفَ هذا التغيير بواسطة الشعبية المفاجئة لمصطلحين سياسيين نادرًا ما تم تطبيقهما في وقت سابق على النظام السياسي الأمريكي. وهما مصطلحي "الإمبراطورية" و"القوى العظمى" واللذان يشيران إلى ظهور نظامًا جديدًا للقوة. ويرمز المصطلحين بدقة إلى بروز القوة الأمريكية في الخارج، وحجب ما قد ينتج عن ذلك من عواقب داخلية

إذا كان مصطلح "الدستور" يشير إلى وجود قيود على السلطة، ومصطلح الديمقراطية يشير بشكل عام إلى المشاركة النشطة للمواطنين مع حكومتهم واستجابة الحكومة لمواطنيها، فإن من الغرابة الحديث عن "دستور الإمبراطورية الأمريكية" أو "ديمقراطية القوة العظمى"، لتجاوز مصطلحي "الإمبراطورية" و"القوة العظمى" للحدود المفروضة على السلطة ولتقزيمهما دور المواطنين

إن مصطلح القوة العظمى يعنى اسقاط قوة الدولة على الخارج، لتصبح غير محدودة، لا تتحمل القيود، ومهملة تمامًا لأي حدود، لأنها تسعى جاهدة لتطوير قدرتها على فرض إرادتها في الزمان والمكان الذي تختاره، مما يجعلها على النقيض من السلطة الدستورية. وقد تبنت السلطة الأمريكية هذه الاستراتيجية في سياستها الخارجية فسعت إلى تحرير القوة الأمريكية من قيود المعاهدات والتعاون مع الحلفاء، ووضعت فكرة الحرب الاستباقية موضع التنفيذ ضد العراق.

ويؤكد ولين أن القوة المتزايدة للدولة وتراجع قوة المؤسسات التي تهدف إلى السيطرة عليها حدث بشكل تدريجي. فاذا كان النظام الحزبي ذو الأيديولوجية الصارمة والقاعدة الجماهيرية عنصرًا حاسمًا في جميع أنظمة القرن العشرين الشمولية، فان النظام الحزبي الأمريكي سيء السمعة. حيث يمثل الجمهوريون ظاهرة فريدة في التاريخ الأمريكي بوصفهم حزبًا عقائديًا، حماسيًا، معادي للديمقراطية ويفتخر بامتلاكه أصوات نسبة تقترب من الأغلبية. وكلما أصبح الجمهوريون أكثر تعصبًا أيديولوجيًا، كلما تجاهل الديموقراطيون الليبرالية والطابع الإصلاحي النقدي وسعوا فقط إلى تبني موقفًا وسطًا متناسين ضرورة وضع حد لتفشى الأيديولوجيا. لذا فإن توقف الحزب الديمقراطي عن كونه معارضًا حقيقيًا قد مهد الطريق إلى سلطة الحزب الواحد والتي تسعى إلى تعزيز الإمبراطورية والقوة العظمى في الخارج وقوة وسلطة الشركات في الداخل.

كما أن المؤسسات التمثيلية لم تعد تمثل الناخبين، فقد تم التلاعب بالمؤسسات وتفشي الرشوة أدى إلى فسادها مما جعلها -بدلًا من كونها مسئولة عن المواطنين- تستجيب فقط لجماعات المصالح والأمريكيين الأثرياء. كذلك أصبحت الانتخابات مدعومة ماديًا من قبل جماعات المصالح وعادةً ما تجتذب -في أحسن الأحوال- نصف الناخبين والذين يكونون رأيهم حول السياسية الخارجية والمحلية عبر معلومات مُفلترة تبثها وسائل الإعلام التي تهيمن عليها الشركات. ويكون المواطنون في ظل هذه الظروف عُرضة للتلاعب بمشاعرهم بواسطة تقارير وسائل الإعلام عن تفشي الجريمة والشبكات الإرهابية، والتهديدات المستترة ومخاوفهم من البطالة، وتطبيق الممارسات الشمولية مثل إقرار التعذيب، واحتجاز الأفراد لسنوات دون توجيه تهم إليهم أو السماح لهم بالوصول إلى الإجراءات القانونية العادلة، ونقل المشتبه بهم إلى مواقع غير معروفة، وإجراء عمليات تفتيش بدون إذن، وغيرها من الممارسات التي لا تسعى فقط إلى توسيع السلطة الحكومية ولكن ايضًا التشويه الحتمي للقيود الدستورية والعمليات المؤسسية مما يثبط عزيمة المواطنين ويجعلهم غير مبالين سياسياً.

إن الدولة في ظل الشمولية المعكوسة لا يُنظر إليها باعتبارها المركز الرئيسي للسلطة، فالدولة لا تسيطر على الكنائس والجامعات والشركات ووسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية لتقوم بتحييدها أو قمعها. انما تندمج سلطة الدولة مع أشكال أخرى من السلطة وعلى الأخص المؤسسات التجارية الحديثة (الشركات). والنتيجة نظامًا يكون نواة لقدوم عصر السلطة السياسية لقوة الشركات.

ويرى ولين أن الشراكة بين الشركات والدولة أصبحت أقوى خلال حقبة الحرب الباردة. وأصبحت القوة الاقتصادية للمؤسسات هي أساس قوة الدولة، كما أصبحت طموحات الدولة -مثل طموحات الشركات العملاقة- تميل للتوسع، وأن تصبح أكثر عالمية، واحيانًا أكثر عدوانية. والنتيجة هي مزيج غير مسبوق من القوى التي تتميز بميولها الشمولية، وهي قوى لا تتحدى فقط الحدود السياسية والأخلاقية والفكرية والاقتصادية، ولكن تميل بطبيعتها إلى تجاوز تلك الحدود باستمرار، بل انها تتجاوز حدود الأرض نفسها. هذه القوى هي أيضًا وسيلة لابتكار ونشر ثقافة علمت المستهلكين الترحيب بالتغيير مع تقبل السلبية السياسية. والنتيجة الرئيسية هي بناء "هوية جماعية" جديدة إمبريالية وأقل ديمقراطية.

كما ظهرت مسيانية Messianism جديدة كدين مدني ناتج عن شراكة الدولة مع المؤسسات الدينية، عندما نالت الدولة مباركة الكنيسة الكاثوليكية ودعمها الثابت في حربها ضد النظام السوفييتي الملحد.

قد يعتبر البعض كل هذه الظروف السياسية مجرد تداعيات مثيرة للقلق ولكن ولين ذهب إلى ابعد من ذلك واطلق علي النظام السياسي الناشئ -في ظل هذه الظروف- اسم "النظام الشمولي المعكوس". 

 

أوجه الاختلاف بين الشمولية الكلاسيكية والشمولية المعكوسة

حدد ولين بشكل أوضح ما يعنيه بالنظام الشمولي المعكوس من خلال مقارنة ممارساته بالنظام الشمولي وخاصًة النازي، لأن مفهوم الشمولية يعد مفهومًا مركزيًا في هذا الصدد. إلا إنه يؤكد أن النظام السياسي الأمريكي الحالي ليس نسخة مستوحاة من ألمانيا النازية، انما تمت الإشارة إلى ألمانيا النازية لتذكير القراء بالمعايير التي قام عليها نظام السلطة الذي كان يجتاح العالم آنذاك، ويتبنى تبرير الحرب الاستباقية كعقيدة رسمية، ويقمع أي معارضة في الداخل باعتباره نظامًا قاسيًا وعنصريًا من حيث المبدأ والممارسة، وأيديولوجيًا بعمق، ويسعى بشكل علني إلى الهيمنة على العالم. ويقدم ولين هذه المعايير لإلقاء الضوء على توجهات النظام السياسي الأمريكي والتي تتعارض مع المبادئ الأساسية للديمقراطية الدستورية، لاعتقاده بأن هذه التوجهات شمولية فهي مهووسة بالسيطرة والتوسع والتفوق والسيادة .

إن المقصود عادة بـ "الشمولية" إنها محاولة لتحقيق تصور أيديولوجي مثالي للمجتمع ككل منظم بشكل منهجي، حيث "الأجزاء" (كالأسرة، والكنائس، والتعليم، والحياة الفكرية والثقافية، والاقتصاد، والترفيه، والسياسة، وبيروقراطية الدولة) يتم تنسيقها عن قصد -واحيانًا بالقوة إذا لزم الأمر- لدعم وتعزيز أهداف النظام. أما الشمولية المعكوسة فتعمل بشكل مختلف، حيث إنها تؤمن بأنه يمكن تغيير العالم ليتوافق مع مجموعة محدودة من الأهداف التي تضعها، مثل ضمان تلبية احتياجاتها الخاصة من الطاقة، وإنشاء "أسواق حرة"، والحفاظ على تفوقها العسكري، ووجود "أنظمة صديقة" في بعض الأجزاء من العالم والتي تعتبر حيوية لأمنها واحتياجاتها الاقتصادية

إن النظام الشمولي المعكوس يتشارك مع النازية التطلع نحو قوة وسلطة غير محدودة والرغبة في التوسع العدواني، إلا أن أساليبه وأفعاله تبدو مقلوبة رأسًا على عقب. على سبيل المثال، في فايمار بألمانيا -قبل تولي النازيين السلطة- كانت "الشوارع" تهيمن عليها عصابات من المتشددين ذات توجه استبدادي، وكل ما كان هناك من ديمقراطية كان يقتصر على الحكومة. أما في الولايات المتحدة فإن الشوارع تنبض بالديمقراطية بينما يكمن الخطر الحقيقي في وجود حكومة جامحة بشكل متزايد.

على عكس الأنظمة الشمولية الكلاسيكية التي تصر على التحول الجذري والقضاء فعليًا على جميع آثار النظام السابق، ظهرت الشمولية المعكوسة بشكل غير محسوس وغير متعمد وفي استمرارية غير منقطعة للتقاليد السياسية للأمة. إن انعكاس النظام يحدث عندما يقوم نظام -مثل النظام الديمقراطي- بعدد من الممارسات المهمة المرتبطة عادةً بنقيضه: على سبيل المثال عندما يجوز للرئيس المنتخب سجن أحد المتهمين دون اتباع الإجراءات القانونية العادلة والإقرار باستخدام التعذيب. علاوة على ذلك ينسب النظام الشمولي المعكوس إلى نفسه صفات تختلف تمامًا عما هو عليه في الواقع، حيث يتنصل من هويته الحقيقية، ويثق أن أي انحرافات ستصبح "تغيير" طبيعي

في الشمولية الكلاسيكية لم يكن الاستيلاء على السلطة الشاملة ناتجًا عن اندماج نتائج غير مقصودة كما حدث مع الشمولية المعكوسة، انما كان انشاء النظام هدفًا واعي لقائد النظام. إن موسوليني وستالين وهتلر قاموا حرفيا ببناء منظمات ديكتاتورياتهم. أما الشمولية المعكوسة فتتبع مسارًا مختلفًا تمامًا: القائد ليس مهندس النظام بل هو نفسه من انتاج النظام. فإذا كانت الأنظمة الشمولية الكلاسيكية من صنع زعيم يتمتع بشخصية كاريزمية ولا يمكن تصورها بدون بصماته، فإن الشمولية المعكوسة مستقلة إلى حد كبير عن أي زعيم معين ولا تتطلب وجود كاريزما شخصية للبقاء: زعيمها يشبه إلى حد كبير "رئيس" الشركة ، أو الممثل العام للشركة

من أهم أوجه الاختلاف التي أكد عليها ولين أنه في ظل الحكم النازي لم يكن هناك أي شك بشأن خضوع "الشركات الكبرى" للنظام السياسي، لكن في الولايات المتحدة كان من الواضح لعقود من الزمن أن قوة الشركات أصبحت تهيمن على المؤسسة السياسية -ولا سيما الحزب الجمهوري- وبالتالي يظهر تأثيرها بقوة في وضع السياسات، وهذا مثال واضح على الممارسات المقلوبة أو المعكوسة والتي تختلف تمامًا عن ممارسات النازيين

ويرى ولين أن البعض قد يقول إن النظام الأمريكي لم يقوم بممارسات تشبه ما ارتكبه النظام النازي من تعذيب أو معسكرات اعتقال أو أدوات إرهاب أخرى. ولكنه يؤكد أن هذه الممارسات في أغلب الأحيان لم يتم اتباعها مع السكان بشكل عام، إنما كان الهدف هو الترويج لنوع معين من الخوف الغامض والذي من شأنه أن يساعد في إدارة والتلاعب بالسكان.

لقد سعت الشمولية النازية لإعطاء الجماهير إحساسًا بالسلطة الجماعية، و"القوة من خلال البهجة" Strength through joy، في حين تعزز الشمولية المعكوسة الشعور بالضعف، والعجز الجماعي. لقد أراد النازيون مجتمعًا معبأ باستمرار لا يكتفي فقط بتقديم الدعم للنظام بدون شكوى ولكن يصوت بحماس بـ "نعم" في الاستفتاءات الدورية، أما الشمولية المعكوسة فتريد مجتمعًا مسرّحًا سياسيًا بالكاد يُدلي بصوته .

إن للشمولية المعكوسة وسائلها الخاصة في تعزيز الخوف العام. ليس فقط عن طريق "التنبيهات" المفاجئة والإعلانات الدورية عن اكتشاف خلايا إرهابية أو اعتقال شخصيات غامضة أو حتى التصريح بمعاملة الأجانب معاملة قاسية والحديث عن جزيرة الشيطان الموجودة في خليج جوانتانامو أو أساليب التعذيب التي تُستخدم في الاستجواب، ولكن من خلال مناخ سائد من الخوف يحركه اقتصاد الشركات والذي يقوم بتقليص أو سحب أو أحيانًا تخفيض المعاشات التقاعدية والمزايا الصحية بشكل قاسي. فالنظام السياسي المُدار بواسطة الشركات يهدد بلا هوادة بخصخصة الضمان الاجتماعي والمزايا الصحية المتواضعة المتاحة، ويكون هذا التهديد موجه بشكل خاص للفقراء. كما توظف الشمولية المعكوسة نظام مختلف من العدالة الجنائية يكون متطرفًا في عقوباته، حيث يتلذذ بعقوبة الإعدام ويتحيز باستمرار ضد الضعفاء.

هكذا فإن عناصر النظام الشمولي المعكوس موجودة وهي: هيئة تشريعية ضعيفة، نظام قانوني خاضع من جهة وقمعي من جهة أُخْرَى، نظام حزبي فيه حزب واحد -سواء في المعارضة أو في الأغلبية- عازم على إعادة تشكيل النظام القائم لتفضيله الدائم لوجود طبقة حاكمة من الأثرياء وأصحاب الشركات والعلاقات الجيدة، مع ترك المواطنين الفقراء يعانون من الشعور بالعجز واليأس السياسي، وفي الوقت نفسه تبقى الطبقات المتوسطة تتأرجح بين الخوف من البطالة وتوقعات الحصول على المكافآت الرائعة بمجرد انتعاش الاقتصاد الجديد؛ وتلعب وسائل الإعلام المتملقة -في هذا المخطط- دور المُحرض. ويعتبر ولين هذه الممارسات ليست أقل من محاولة تحويل مجتمع حر نوعًا ما إلى شكل من أشكال الأنظمة المتطرفة التي عهدناها في القرن الماضي.

 

الشمولية المعكوسة والديمقراطية المُدارة:

ادعى المُنظرون السياسيون لقرون أن الديمقراطية -بسبب المساحة الكبيرة من الحرية التي سمحت بها- كانت بطبيعتها عرضة للفوضى ومن المرجح أن تجعل أصحاب الممتلكات يدعمون ديكتاتورًا أو طاغية أو شخصًا يمكنه فرض النظام بلا رحمة إذا لزم الأمر. لكن ماذا لو كانت الديمقراطية في ثقافتها الشعبية تؤمن بأن "كل شيء مباح" ولكن لا تطبق ذلك في سياستها، فهي على استعداد لإعطاء إمتياز الشك في كل شيء للقادة الذين يعدون "بالقضاء على الإرهابيين"، عبر "حرب" لا نهاية لها في الأفق. هنا تتحول الديمقراطية إلى ديمقراطية خاضعة ومخصخصة بدلاً من اتهامها مسبقًا بالجموح.

لقد ظهر تطوران حاسمان في السياسة الأمريكية كنتيجة للحرب الباردة. أحدهما كان تقلص المكان الذي تحتله السياسة وتوسع سلطة الدولة. حيث أدت الهيمنة المتزايدة للسياسة الخارجية والاستراتيجية العسكرية إلى تغيير نطاق ومكانة المشاركة العامة. أما التطور الثاني فكان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بأولوية السياسة الخارجية والاستعداد العسكري وفي هذا الصدد ظهرت النخبة كطبقة سياسية وتم إضفاء الشرعية عليها باعتبارها "الأفضل والاذكى". 

إلى جانب ذلك بدأ الاندماج المطلق بين الرأسمالية والديمقراطية منذ الحرب الباردة، عندما تم إعلان أن الدفاع الوطني لا ينفصل عن الاقتصاد القوي. كما ألهم التركيز على التعبئة وإعادة التسلح الاختفاء التدريجي لتنظيم الشركات ومراقبتها من الأجندة السياسية الوطنية. لأن المدافع عن العالم الحر يحتاج إلى قوة العولمة، وتوسع الشركات، وليس اقتصادًا تعيقه بعض الأنشطة الحكومية مثل "خرق الثقة" trust-busting. علاوة على ذلك إن العدو كان مناهضًا للرأسمالية بشكل حاد، لذا فكل إجراء عزز الرأسمالية كان بمثابة ضربة للعدو. وبمجرد رسم خطوط المعركة بين الشيوعية و "المجتمع الحر"، أصبح الاقتصاد لا يمكن المساس به. ويجادل ولين بأن الإيمان المطلق بفضائل رأسمالية السوق الحرة قد سمح بتركيز الثروة وأنتج تسلسلاً هرمياً للسلطة يقوض مفهوم الديمقراطية التشاركية.  

لقد أطلق ولين على الديمقراطية الجديدة -الناتجة عن كل هذه التغيرات- أسم "الديمقراطية المُدارة" Managed Democracy واعتبرها الوجه الإعلاني للشمولية المعكوسة. إن الديمقراطية المُدارة هي شكل سياسي يتم فيه إضفاء الشرعية على الحكومات من خلال الانتخابات التي تعلموا السيطرة عليها، والترهيب، والفساد، وعدم المساواة في الوصول إلى وسائل الإعلام، وانتشار أساليب مماثلة، لذا فإن الديمقراطية المُدارة هي ديمقراطية مُمَنهجة تتركز حول احتواء السياسات الانتخابية. كما تهتم بتطبيق المهارات الإدارية على المؤسسة الديمقراطية للانتخابات الشعبية. فتتم إعادة تشكيل الانتخابات في صورة عملية انتاج معقدة تتطلب إشرافًا مستمرًا بدلًا من كونها مجرد مشاركة شعبية مستمرة وممارسة سياسية بسيطة قائمة على التصويت

ويرى ولين أن الولايات المتحدة قد أصبحت واجهة لعرض كيفية إدارة الديمقراطية دون أن تبدو وكأنها تتعرض للقمع. لقد حدث هذا -ليس من خلال فرض القائد إرادته أو القضاء على المعارضة بالقوة- ولكن من خلال تطورات معينة، لا سيما في مجال الاقتصاد، والتي عززت الاندماج أو التكامل، وتركيز الثروة، والإيمان بأن أي مشكلة تقريبًا من الرعاية الصحية إلى الأزمات السياسية يمكن إخضاعها للسيطرة والقدرة على التنبؤ والفعالية من حيث التكلفة وكأنها منتج أو سلعة. أما عن الناخبين فتتم معاملتهم كمستهلكين يمكن التنبؤ بافعالهم. وفقًا لذلك يؤكد أن الأيديولوجية التي يقوم عليها النظام الشمولي المعكوس هي الرأسمالية.

مهما كانت مزايا رأسمالية الشركات، فهي ليست نظامًا يتم توزيع فوائده بالتساوي. إنه بدلاً من ذلك نظام ينتج عنه تفاوتات واضحة. تتجلى النتائج في زيادة تركيز الثروة في يد قلة، وظهور فوارق أعمق بين الطبقات من حيث الرعاية الصحية والفرص التعليمية والثقافية أكثر من أي وقت مضى في التاريخ الحديث. شيئًا فشيئًا يتم اعتبار عدم المساواة أمرًا مُبررًا ومفروغ منه وربما يتم الاحتفال به. في الوقت الذي يزيد فيه الإنفاق العسكري بنحو أربعة أضعاف الإنفاق على البرامج الاجتماعية.

يعتبر ولين سبب زيادة الانفاق العسكري يعود إلى الانتشار المستمر للأوهام والذي يخلق بيئة مناسبة تسمح للأساطير -وليس للواقع- بالسيطرة على قرارات نخب السلطة. وعندما تهيمن الأسطورة، تحل الكارثة على الإمبراطورية، مثل انغماس أمريكا 14 عامًا في حرب عبثية في الشرق الأوسط وفشلها في الاستجابة لمشكلة حقيقية مثل مشكلة تغير المناخ. يقول ولين: "عندما تبدأ الأسطورة في السيطرة على صانعي القرار في عالم يكثر فيه الغموض، فإن النتيجة هي انفصال بين الفاعلين والواقع". حيث يبدؤا في اقناع أنفسهم بأن قوى الظلام تمتلك أسلحة دمار شامل وقدرات نووية: والتي تُعد فقط امتيازًا وحكرًا لأمتهم منحهم إياها الإله؛ ويتجاهلوا وجود بنية طبقية من أوجه عدم المساواة العميقة والمستعصية

في ظل هذا تتم إدارة كل ما هو سياسي. حيث تعتبر السياسة والانتخابات وكذلك تشغيل الإدارات والوكالات الحكومية مهارة إدارية وليست سياسية. ومع ذلك فإن الإدارة ليست مفهوم محايد، انما تكمن جذورها في ثقافة التجارة أو الأعمال، وتتشكل قيمها من ضغوط الاقتصاد التنافسي الذي يتجاوز باستمرار حدود الشرعية والمعايير الأخلاقية. لذا فالغطرسة التي تدفع المديرين التنفيذيين في الشركات إلى انتهاك القانون تشبه إلى حد كبير الغطرسة التي تدفع القوة العظمى إلى الاستهزاء أو تجاهل المعايير الدولية

إن ما يسمى بالسوق الحر لا يتعلق فقط بالمشترين والبائعين أو المنتجين والمالكين، ولكن بعلاقات القوة أو السلطة والتي تعتبر أساسية لإدارة الديمقراطية. وحقيقة أن مجموعات المصالح المنظمة سياسيًا ذات الموارد الهائلة تعمل بشكل مستمر، وينسقون مع إجراءات الكونغرس، ويحتلون ادوارًا استراتيجية في العمليات السياسية، تشير إلى كيفية تغير معنى الحكومة "التمثيلية" بشكل جذري. حيث تم استبدال المواطنين، وقطع الاتصال المباشر بينهم وبين المؤسسات التشريعية التي من المفترض أن "تمثل" الشعب. فأصبح النظام مناهض للديمقراطية، وأصبحت الحكومة "حكومة تمثيلية سيئة أو حكومة الزبائن أو العملاء". 

وظهر ما يُطلق عليه ولين استبدال المواطنين -الذين يفترض أنهم مصدر القوة والسلطة الحكومية- بـ"جمهور الناخبين"، أي بالناخبين الذين يشاركون في الحياة السياسية في وقت الانتخابات فقط. أما خلال الفترات الفاصلة بين الانتخابات ينحصر الوجود السياسي للمواطنين في شكل يمكننا القول عنه أنه مواطنة الظل. فبدلاً من المشاركة في السلطة، تتم دعوة المواطن الافتراضي ليكون لديه "آراء" أو ردود قابلة للقياس على الأسئلة المصممة مسبقًا لاستنباط هذه الردود

يرى ولين أن ذلك يتم عبر تقسيم الناخبين المحتملين إلى مجموعات فرعية صغيرة يمكن للمرشحين بعدها "استهدافها" برسائل مصممة خصيصًا للقيم أو التحيزات أو العادات الخاصة بفئة معينة. والنتيجة هي إبراز ما يفصل بين المواطنين، وزرع الشكوك، وبالتالي تعزيز التسريح السياسي عن طريق زيادة صعوبة تكوين أغلبية متماسكة حول المعتقدات المشتركة. كما أن تفتيت الجمهور إلى فئات أصغر يجعل من السهل التلاعب بأعضائه.

إن الممارسات الديمقراطية الحقيقية تتناقض مع القوة الإمبريالية ومبدأها الأساسي للسيطرة والاستغلال. لكن على عكس البلاشفة والنازيين والفاشيين الإيطاليين لا تتطلب الشمولية المعكوسة كشرط لنجاحها الإطاحة بالنظام الديمقراطي القائم. ليس لديها خطة علنية لقمع المعارضة، أو فرض توحيد أيديولوجي أو نقاء عرقي، أو البحث عن الشكل التقليدي للإمبراطورية. فهي تسمح بحرية التعبير، وتوقر الدستور، وتعمل ضمن نظام ثنائي الحزب يؤَمن نظريًا دورًا لحزب معارض. وبدلًا من الثورة ضد نظام قائم، تدعي أنها تدافع عن قيم هذا النظام. يشير هذا إلى وجود نوع مختلف من الديناميكيات في العمل، نوع لا يعتمد في الغالب على الاستياء من الشكل السائد للحكومة أو النظام الاجتماعي. لقد تعلمت الشمولية المعكوسة كيفية استغلال القيود السياسية والقانونية، واستخدمها بطرق لا تتعارض مع هدفها الأصلي ولكن دون تفكيكها أو مهاجمتها علانيةً.

لقد طور النظام الشمولي المعكوس أساليب واستراتيجيات خاصة به. تكمن عبقريتها في ممارسة السلطة الشمولية بدون التصريح بذلك. صحيح أن الأجانب -وحتى بعض المواطنين- الذين يُشتبه في أن لهم "صلات" بالإرهابيين يعانون من الاضطهاد، ومع ذلك فإن مثل هذه الممارسات تجاههم لا ترقى إلى اعتبارها إجراءات معيارية.

أحد الاستراتيجيات الرئيسية في إدارة الديمقراطية هو تشجيع ما يمكن تسميته "بالديمقراطية المحبطة" Discouraged Democracy. والتي تعمل على تثبيط الأغلبية عن استخدام سلطتها للترويج للبرامج الاجتماعية التي تهدف إلى تلبية الاحتياجات الأساسية وتحسين أوضاع المواطنين الأكثر فقرًا. إن اللامبالاة من جانب الناخبين نتيجة لانخفاض التوقعات بأن حكومتهم سوف تستجيب لاحتياجاتهم. وقد عمل الجمهوريون والديمقراطيون المحافظون بشكل منهجي على تقليل أو إلغاء البرامج الاجتماعية، وكانت النتيجة بمثابة استراتيجية مدروسة لتشجيع اللامبالاة السياسية بين الفقراء والمحتاجين.  

كل هذه التغييرات السياسية تقلل من دور الديمقراطية فتنتقل من كونها أساس تكويني للنظام إلى مجرد وظيفة بلاغية في ظل نظام سياسي فاسد بشكل كبير. وجوهر هذه التغيرات هو أن قوة الشركات وثقافتها لم تعد قوى خارجية تؤثر في بعض الأحيان على السياسات والتشريعات؛ انما تكامل السياسة مع الاقتصاد جعل المواطنون مهمشين والديمقراطية مُدارة

 

ديناميكيات النظام الشمولي المعكوس:

يرى ولين أن الولايات المتحدة تمر بتحول سياسي ولكن هذا التحول لا يشمل فقط الهويات السياسية والمدنية المختلفة ولكن أيضًا ظهور نوعًا مختلفًا من السياسة. فقد لعبت الديمقراطية المُدارة دورًا مهمًا في سد الفجوة بين ادعاءات القوة العظمى بالهيمنة العالمية والنموذج الديمقراطي للحكم الذاتي

إن القوة العظمى الأمريكية هي شكل سياسي يحركه السوق وتقدم تصور للاندماج الاقتصادي السياسي الذي يغذيه انتصار الديناميكية المستمرة بلا هوادة لقوى العلم والتكنولوجيا ورأس المال، وتاثير هذه القوى على المواطنين الديمقراطيين.

لقد سعت ألمانيا النازية في الثلاثينيات إلى تسخير الديناميكيات المتنوعة مثل: جيش يريد المزيد من التكنولوجيا المستقبلية وأسلحة أكثر فتكًا؛ اقتصاد يبحث باستمرار عن أسواق ومنافذ جديدة؛ كنائس تتجول للبحث عن منضمين جدد؛ وسائل الإعلام الإخبارية والترفيهية الحريصة على توسيع حصتها في السوق؛ ومثقفون متعطشون لتأمين قدر من المكانة من خلال التودد للمسئولين التنفيذيين والسياسيين والجنرالات.  

ويرى ولين أن تنامي الشمولية المعكوسة نتج عن إدراك الاحتمالات الموجودة في هذه المؤسسات المنظمة والديناميكية المُستخدمه ودمجها في شيء جديد تمامًا في السياسة الأمريكية، حيث تبنت أولًا ديناميكية الحرب الاستباقية الموجهة نحو الخارج، والتقشف المالي الموجه نحو الداخل.  

لقد استخدمت الولايات المتحدة أحداث ١١ سبتمبر/أيلول لتعزيز نفوذها في الداخل والخارج. وهذا يعني أن "الحرب على الإرهاب" قدمت الأساس المنطقي لزيادة الوجود العسكري في الخارج، بما في ذلك تبرير الحرب على العراق، وكذلك لتوسيع سلطات المراقبة داخل الولايات المتحدة. طبقًا لنظرية ولين فإن تشكيل النظام السياسي الحالي تم خلال توسيع صلاحيات الفرع التنفيذي للحكومة -بما في ذلك مهام الجيش والشرطة- مع الحد من الحماية القانونية للمواطنين. وتشكيل هذا العالم الجديد المخيف سيعتمد كثيرًا على تعريف الإدارة "للعدو"، والأدلة التي تدعم هذا التعريف، وطبيعة التعريف التي قد تكون صعبة أو غير مفهومة. كما تزامن مع تشكيل هذا العالم الجديد وضع هوية أو مفهوم غير محدد للإرهاب في ذهن الجمهور، لإثارة الخوف والشعور بعدم الأمان وعدم اليقين في كل لحظة. مما يبرر توسع سلطة الدولة المنتقمة في الداخل والخارج.

لقد أنتجت هذه الرؤية القاتمة رغبة وفرصة ومبررًا لتحويل حدث ( ١١ سبتمبر/أيلول) إلى أزمة دائمة (الحرب على الإرهاب). حيث أصبح التذرع بالإرهاب الذي تكافحه القوة العظمى -على الرغم من كونه حقيقيًا إلى حد ما- إلا انه من صنع ممثلو القوة العظمى.

إن الخوف والإرهاب يمكن أن يكونا انعكاسيين؛ فبدلاً من الخوف من الأعداء الأجانب فقط، أصبح المواطنون -بعد أن لاحظوا آثار القوة غير العادية المستخدمة ضد الأجانب- أنفسهم في موضع الخوف من سيادتهم، يترددون قبل توجيه النقد. وعلى الرغم من وجود الضمانات الدستورية، ونظام الحزبين، والمعارضة المؤسسية، والانتخابات الديمقراطية، والصحافة الحرة كضمانات مهمة ضد ظهور السيادة المطلقة. إلا أن -لسوء الحظ- في أعقاب ١١ سبتمبر ثبت أن تلك الضمانات غير فعالة.

إن القوة العظمى لها "دستورها" الخاص. على عكس دستور الدولة المكتوب والذي يؤكد على الضوابط والتوازنات والقيود المفروضة على السلطة الحكومية، والفيدرالية، ووثيقة الحقوق؛ فإن دستور القوة العظمى غير المكتوب يدور حول السلطات التي يستمد نطاقها وتأثيرها من الموارد المتاحة، والفرص، والطموحات، بدلاً من القيود القانونية. حيث أن تركيبة القوى العظمى معنية أكثر بـ "الزيادة والتوسع" وليس القيد

في نفس الوقت الذي تم فيه تعزيز النفوذ العسكري في الخارج، تم غرس الخوف في الداخل باستخدام سلاح الركود الاقتصادي الذي بدأ في عام ٢٠٠١ وترك أكثر من مليون عامل عاطلين عن العمل بينما جعل العديد من الأشخاص قلقين من فقدان وظائفهم. وعلى العكس من سعي الأنظمة الشمولية في أواخر العشرينيات من القرن الماضي إلى تخفيف البطالة، لا تسعى الشمولية المعكوسة إلى فعل شيئًا يُذكر لتهدئة آثار الركود وحالات انعدام الأمن المصاحبة له. فبدلا من أن تدعو الشمولية الاستبدادية إلى "تضحية متساوية" من جانب جميع المواطنين -كما هو الحال في أي مجتمع ديمقراطي حقيقي يشارك في حرب- فقد مارست علانية سياسة عدم المساواة التي تتغذى على مخاوف أفراد المجتمع الأكثر شعورًا بعدم الأمان. على سبيل المثال، من خلال تقديم خصم ضريبي هائل لصالح الأثرياء، في حين تؤكد على عدم وجود أموال لدعم برامج مثل الرعاية الصحية، وزيادة تعويضات البطالة، وحماية صناديق التقاعد، والتي قد يكون لها دور في التخفيف من تأثير الركود. لقد أثارت الإدارة -على فترات منتظمة- شبح الإفلاس الوشيك للضمان الاجتماعي، وخفض مزايا الرعاية الطبية في ظل تراجع الأجور.

ويرى ولين أنه في حالة الحرب وفي أوقات الخطر القومي يظهر الصالح العام واضحًا لا لبس فيه. يُتوقع من الجميع تقديم تضحيات، ويسود نوع من المساواة الصارمة في تحمل أعباء الحرب. ولكن في حالة الشمولية المعكوسة الحرب على الإرهاب ليست في حاجة لحشد المواطنين، على العكس من المفيد سياسياً عدم القيام بذلك. وفي ضوء ذلك يظهر الصالح العام كفكرة مجردة، وتكون المصالح الخاصة هي الحقيقة. في حين أن الحرب على الإرهاب يجب أن تؤدي إلى الشعور بالعجز والميل الطبيعي للتطلع نحو الحكومة، والثقة بها، بدلاً من ذلك فإن ممارسات مسؤولو الشمولية المعكوسة تثبط عزيمة المواطنين وتجعلهم يميلون إلى التنازل عن أي دور سياسي

كما أن وجود ناخبين مقسمين إلى حد كبير وكونغرس بأغلبية ذات فارق ضئيل يؤديان أيضًا إلى تأجيج خلافات ثقافية واجتماعية لا طائل منها مثل الخلافات حول قيمة الامتناع عن ممارسة الجنس، ودور الجمعيات الخيرية الدينية في الأنشطة التي تمولها الدولة، ومسألة زواج المثليين، وما إلى ذلك من قضايا وُضعت لتبقى بلا حل. إن الدور السياسي لمثل هذه القضايا هو تقسيم المواطنين مع التعتيم على الفروق الطبقية وتحويل انتباه الناخبين عن الاهتمامات الاجتماعية والاقتصادية العامة. وقد تبدو الحروب الثقافية مؤشرا على مشاركات سياسية قوية، لكن في الواقع هي مجرد بدائل تعمل على تشتيت الانتباه والمساهمة في سياسة لا طائل منها على الاطلاق. والنتيجة تكون مواطنون غير مؤهلين للمطالبة بالديمقراطية وأكثر قبولًا ودعمًا للأشكال المهيمنة من السلطة، ليس بسبب الحماس النازي، ولكن بدافع من الخوف والوطنية المضللة

ويرى ولين أن التلاعب بالمواطنين يتم أيضًا بواسطة "القوى الديناميكية" لرأس المال والتكنولوجيا والعلوم (بما في ذلك علم النفس والعلوم الاجتماعية) فقد تمكن القائمين على هذه القوى من إعادة تعريف مفهوم المواطنة أو المواطنين كمستجيبين وليس كفاعلين، كأهداف للتلاعب بدلاً من كونهم مواطنين يتمتعون بالاستقلالية. والأسوأ من ذلك باسم المشروع الحر ومعاداة الشيوعية، شارك عدد كبير من علماء الاجتماع -برعاية الشركات- عن طيب خاطر في تطوير وسائل لتضليل الجمهور وإرباكه عن طريق ديمقراطية تديرها الشركات.  

ومن العناصر الرئيسية إلى جانب رأس المال والنخبوية- التي تشارك في ديناميكية القوة العظمى الأصولية الدينية. لقد ساهمت الأصولية الدينية بدور مميز في ديناميكية القوى العظمى كديناميكية للأمل تتغذى على الوعد الدائم بلحظة انتصارها و ذروتها، والتي -على الرغم من التأخير- سوف تتحقق في النهاية. وتتجلى الآثار القوية لتأثيرها في الصور اللاهوتية التي يتبناها السياسيون، على سبيل المثال تصوير رونالد ريجان - Ronald Reagan للاتحاد السوفيتي بـ "إمبراطورية الشر". إن الأمريكيون يتعرضون من الناحية الثقافية باستمرار للادعاءات المبالغ فيها ويتم تشجيعهم من خلال الإعلانات والتلفزيون والأفلام والموسيقى الشعبية للتفكير حول التوقعات الباهظة بشأن مستقبلهم. هنا يوضح ولين دور الخطاب الديني الأصولي والوتيرة السريعة المدمرة للرأسمالية: باعتباره أساس لسياسة تحييد المواطنين وتوجه التخلي عن الديمقراطية والذي يبشر بالاستقرار والراحة في عالم متغير

 في هذا الصدد تقوم الشمولية المعكوسة باستخدام الدين كأحد الحلول لتحقيق تماسك المجتمع السياسي عبر تلقين المواطنين مجموعة مشتركة من المعتقدات والطقوس والقيم. لذا إن "أعظم قوة في التاريخ" نتجت عن نوع من التعايش الغريب بين بعض العناصر التطلعية والتقدمية (كالاقتصاد الحر والتقدم التكنولوجي) مع بعض العناصر الأصولية (كالدين).

 

 

المصادر والمراجع:

الزواوي بغورة، الشمولية والحرية في الفلسفة السياسية المعاصرة، عالم الفكر، العدد ٣، المجلد ٣٣، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ٢٠٠٥.

بول ويلكينسون، العلاقات الدولية (مقدمة قصيرة جداً)، ترجمة لبنى عماد تركي، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ط١، القاهرة، ٢٠١٣.

حنة أرندت، أسس التوتاليتارية، ترجمة: انطوان ابو زيد، دار الساقي، ط٢، بيروت، لبنان، ٢٠١٦.

زهير إبراهيم جبور: الشمولية المعكوسة‏، مجلة تشرين، مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع، دمشق- سوريا، تاريخ النشر ١٩/٩/٢٠١٠.

فالح عبد الجبار، ما بعد ماركس ؟، دار الفارابي، ، ط١، بيروت، لبنان، ٢٠١٠.

نسيبة مزواد، الهيمنة التوتاليتارية في فكر حنة أرندت؛ خديجة زتيلي (إشراف)، الفلسفة السياسية المعاصرة (قضايا واشكاليات)، منشورات الضفاف، دار الأمان، منشورات الاختلاف، ط١، بيروت، الرباط، الجزائر، ٢٠١٤.

Alex Carey, Taking the Risk Out of Democracy “corporate propaganda versus freedom and liberty”, the University of Illinois Press, Urbana and Chicago, 1997.

Alex Waddan, Reviewed Work(s): Democracy Incorporated “Managed Democracy and the Specter of Inverted Totalitarianism by Sheldon S. Wolin”, Wiley and Royal Institute of International Affairs, Vol. 84, No. 6 (Nov 2008).

Antonio Y. Vázquez-Arroyo: Inverted Totalitarianism, Telos 156 (Fall 2011): Democracy and Nations.

Colin Anthony Ridgewell: The "Popular" Concept of Totalitarianism, A Thesis Submitted in Partial Fulfillment of the Requirements for the Degree of Master of Arts, Thesis Mentor: Harold Hickerson, Heriber Adam, Department of Political Science, Sociology and Anthropology, University of Southampton, December 1970.

Chris Hedges: Death of the Liberal Class, Nation Books, New York, 2010.

Chris Hedges: Sheldon Wolin and Inverted Totalitarianism, TRUTHDIG, NOV 2, 2015.

Henry A. Giroux: Neoliberalism's War on Higher Education, Haymarket Books, Chicago, Illinois, 2014.

Nadia Urbinati: Reviewed Work(s): Democracy Incorporated: Managed Democracy and the Specter of Inverted Totalitarianism by Sheldon S. Wolin, Political Science Quarterly, Vol. 125, No. 1 (2010).

Peter Reddaway: LEONARD BERTRAM SCHAPIRO (1908-1983) AN INTELLECTUAL MEMOIR (NUMBER 170), the Wilson Center on December 9, 1983.

Sheldon Wolin, Inverted Totalitarianism “How the Bush regime is effecting the transformation to a fascist-like state”, The Nation, 1 MAY, 2003.

Sheldon S. Wolin, Democracy Incorporated “Managed Democracy and the Specter of Inverted Totalitarianism”, Princeton University Press, Princeton, New Jersey, 2008.

Wendy Brown: American Nightmare: Neoliberalism, Neoconservatism, and De-Democratization, Political Theory, Vol. 34, No. 6 (Dec. 2006).

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia